Month: مايو 2010

The Hurt Locker

 

the hurt locker

خزانة الألم، البطولة الأمريكية المحبة والمتعاطفة

تحذير: قد تفسد هذه التدوينة حبكة الفيلم

 

دخل فيلم خزانة الألم التاريخ السينمائي لأسباب عديدة أهمها حصوله على 6 من جوائز الأوسكار منها جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرجة وأفضل نص. أيضا تكمن أهمة الفيلم في أن مخرجته الفنانة كاثرين بيقيلو تعتبر أول مخرجة تحصل على جائزة الأوسكار لجائزة أفضل مخرج التي ظلت محتكرة على المخرجين الرجال طوال تاريخ الأوسكار. ومن نواحي غير فنية يسجل الفيلم تاريخا كونه خطف أهم الجوائز من اكبر فيلم في التاريخ من حيث تكلفة الإنتاج والإرباح وهو فيلم افاتار لزوجها السابق وشريكها في بعض أفلامها السابقة (جيمس كاميرون).

بعيدا عن الجائزة التي صنعت تاريخا وشهرة للفيلم المغمور، يعتبر خزانة الألم مهما من جوانب كثيرة فهو فيلم حرب بإنتاج مستقل وبميزانية متواضعة جدا. ثانيا مخرجته الفنانة كاثرين بيقيلو هي من ابرز المخرجات المستقلات اللاتي لهن طابعهن الخاص في الأفلام المشحونة بكل أشكال العنف، وهو تخصصها منذ نهاية السبعينات في مسيرتها المخلصة لأفلام الرعب والعنف والاكشن، لتتوج هذه المسيرة بحصولها على جائزة أفضل مخرجة. أيضا يقدم الفيلم صورة مغايرة لصورة البطل الأمريكي وما تصنعه به حروب الأمريكيين. كما انه يعرض وجهات النظر العراقية والأمريكية حول الحرب على العراق.

قصة الفيلم والبطولة الأمريكية

قصة الفيلم هي قصة ثلاثة من أفراد الجيش الأمريكي يعلمون في وحدة إبطال المتفجرات في العراق ويمضون أخر أسابيع مهمتهم قبل أن يتم إعادتهم إلى بلدهم أو تدويرهم في مناطق أخرى. وفي أخر أيامهم في العراق تصبح الحالة النفسية لاثنان منهم في اضعف حالاتها حين يقتل قائد الفرقة في انفجار قنبلة ويستبدل بالرقيب أول “ويليام جيمس” بطل الفيلم، الخبير في إبطال المتفجرات.

كتب قصة الفيلم الصحفي الأمريكي مارك بول الذي رافق الجيش الأمريكي في العراق وتحديدا فرق إبطال المتفجرات ثم كتب النص لتتحمس له المخرجة بيقيلو وتقوم بتصويره في الأردن. وهو فيلم يمجد البطولة الأمريكية في ميادين الحروب ولكنها بطولة من منظور مختلف عن البطولة الأمريكية (الرامبوية او الكاويوية) فالبطل المتخصص في أبطال مفعول المتفجرات لا يقتل العدو أو (الأخر) أو ينقذ أمريكا من الكوارث والأشرار. فهو، في العراق لان العراقيين يحتاجونه كما يؤمن. وهذا البطل شجاع ومتعاطف ويتحول إلى ما يشبه الممثل/البطل المسرحي في شوارع بغداد حيث الجماهير والضحايا المحتملين هم العراقيين الذين تتحول أسطح ونوافذ منازلهم مدرجات لمشاهدة البطل الأمريكي يخاطر بحياته من أجلهم لتفكيك المتفجرات من شوارعهم وأجسادهم. البطل الأمريكي الجديد طيب لدرجة أنه لا يفهم معنى أن ما يقوم به هو فعل “متوحش او جامح” كما يحاول العقيد (ريد) إقناعه بفخر بأنه متوحش: “أنت متوحش هل تفهم ذلك أنت متوحش.”

في مشاهد كثيرة يصور الفيلم التعاطف الكبير من الرقيب أول (ويليام جيمس) تجاه العراقيين سواء مدنيين ام إرهابيين أم أطفال. فهو لم يطلق رصاصة واحدة لقتل أي عراقي ولم يتوان عن المساعدة حتى في أكثر المواقف خطورة. ولكن أكثر المشاهد التي تؤكد لنا صورة البطل الأمريكي المحب نراها في مشهد محاولته إبطال مفعول المتفجرات المربوطة على صدر رجل عراقي حاول الاقتراب من منطقة الجنود الأمريكيين. كان لدى جيمس دقيقتين ليبطل مفعول المتفجرات المربوطة في قفص حديدي حول صدر الرجل العراقي. وحين أدرك الرقيب أول ويليام أنه لن يستطيع إبطال مفعول المتفجرات، وبينما تقترب الثواني من الصفر، نرى الرقيب أول ويليام يكاد يبكي. ليس خوفا ولكن لأنه لم يستطع إنقاذ العراقي المشرك بالقنابل. يبدو لنا الرقيب أول ويليام في صورة محزنة لدرجة تدعونا للتعاطف معه أكثر من الرجل العراقي الذي سيموت بلا شك. ويصر الرقيب أول ويليام أن لا يغادر الرجل العراقي إلا بعد بعد إبلاغه بأنه أسف لأنه لم يستطع مساعدته:

 “لا أستطيع. انا اسف. هل تفهمني. انا اسف. هل تسمعني. انا اسف. انا اسف.”

الوجود الأمريكي بالعراق

ورغم كل البطولية والتمجيد لفرق أبطال المتفجرات في الفيلم -والتي قد تكون صادقة بنسبة ما- إلا أن الفيلم مشحون بالإسقاطات السياسية المهمة وهو ما يجعله لا يبدو كفيلم حرب او اكشن فقط، انه، وان كانت مخرجته وكاتبه لم يصرحا بذلك، فيلم يجسد أمريكا في ثلاثة من جنودها. ففي كثير من الحوارات يصور الفيلم الأمريكيين بكل اختلافاتهم ووجهات نظرهم عن الحرب والمستقبل والعنصرية والعراق.

فبينما يؤمن (ويليام جيمس) بأن العراق يحتاجه ويجب عليه مساعدة العراقيين، يرى (أوين) أن العراق فرصة تجارية كبيرة وسوق جديدة لكسب المال، أما الرقيب (سانبورن) فيرى العراق كما قال fucking place ولا يرى أي سبب يستعدي وجود الأمريكيين فيه.

في المشاهد الأخيرة من الفيلم، وبعيدا عن مشاهد الاكشن، داخل المدرعة التي تضم الرقيب أول ويليامز ورفيقه رقيب الاتصال الافروامريكي (سانبورن) يجري حوار بينهما بعد أن نجوا بأعجوبة من انفجار القنبلة التي لم يتمكن ويليامز من تفكيكها قبل موعد انفجارها.

يسأل ويليامز زميله سانبورن المتعب والجريح:

هل أنت بخير؟

لا، أنا اكره هذا المكان. أنا جاهز للموت. يرد ويليامز: حسنا، لن تموت هنا يا أخ. ويكمل سانبورن: كنت سأموت، خمس سنتيمترات إضافية وكانت الشظية ستقطع عنقي. سأنزف مثل خنزير في الصحراء ولن يهتم بي احد. أبي وأمي سيهتمان! ولكنهما لا يدخلان في الحسبان. من غيرهم سيهتم؟ ليس لدي طفل حتى! أريد طفلا! أريد طفلا.

بعد ذلك تصور الكاميرا أطفالا عراقيين يرمون المدرعة بالحجارة ويطردون الجنود الأمريكيين، في ترميز إلى أن (سانبورن) الأمريكي الذي يصنع مستقبل هؤلاء الصغار لا يجد فيهم ولا في بلدهم الذي يلعنه أي مستقبل له. ولا يرغب الأطفال/مستقبل العراق في هؤلاء الدخلاء.

وفي أحد مشاهد الفيلم التي يمكن اقتطاعه بدون أي إخلال بقصة الفيلم يدخل (ويليام) إلى منزل بروفسور عراقي يدعى نبيل للبحث عن عائلة صبي عراقي. يرحب البروفسور نبيل بالجندي الأمريكي المسلح ويقول له:

 “أنا سعيد جدا برؤية الاستخبارات الأمريكية في منزلي. أرجوك اجلس، أبقى.”

بينما تأتي الزوجة من غرفة أخرى لتصرخ طاردة الجندي الأمريكي/الجيش الأمريكي بقولها:

“اطلع برا يا مجرم، ما يكفي شو سويتوا فينا.”

 وهنا يبدو كيف ينقسم العراقيين أنفسهم حتى في البيت الواحد بين مرحب وأخر رافض/طارد للوجود الأمريكي.

جنود ما بعد الحرب

في المشاهد الأخيرة للفيلم، تنتقل الكاميرا إلى أمريكا حيث يتسوق ويليام مع زوجته وابنه داخل سوبر ماركت ضخمة. يبحث ويليام عن رقائق الذرة. وبعدسة واسعة تظهر عشرات الأصناف من كراتين رقائق الذرة يبدو أشجع وأذكى جندي أمريكي في ميادين المتفجرات صغيرا وتائها وغير قادر على اتخاذ قرار تحديد أي نوع يشتري، تظهره الكاميرا حائرا في عالم مليء بالخيارات.

هذا المشهد يمثل الحالة المأساوية للجنود الأمريكيين اللذين يعودون من ميادين الحروب بعد ان غيرتهم وفصلتهم عن بلدهم وحياتهم. فبعد مشهد السوبرماركت يظهر ويليام وهو يحاول تنظيف ميزاب منزله من اشجار الخريف المتساقطة، وبعدسة مقربة تظهر يد جيمس التي أبطلت مئات القنابل كيد عاجزة مريضة تتألم وتتأفف من الأوراق المبتلة!

ثم تنتقل الكاميرا الى داخل المنزل حين يتحدث ويليام مع زوجته بحماس عن قصص الحرب والموت في العراق ولكنها لا تريد أن تسمع تلك القصص التي تبدو لها مملة ولا علاقة لها بها. تبدو أمريكا في صورة المنزل والزوجة والابن غير مرحبة بتجربة الحرب وتحاول أن تتناساها أو تتركها خلفها وتعيش مستقبلها، ولكن هناك كما يمثل ويليام رغبة للعودة إلى ساحة المعركة.

الفيلم كما تلقى النقد الايجابي المحتفي به، تلقى نقد أخرى ينتقد فيه تجاهل الفيلم للعناوين الكبيرة مثل (الارهاب) كسبب لفكرة الحرب في الاساس.

 مصدر الصورة: موقع الفيلم

التصوير بالكولوديون، العودة الى زمن الحرب الاهلية الامريكية

musleh portrait collodion

شاركت مؤخرا ضمن الاحتفالية العالمية الثانية المخصصة لتكريم مخترع أسلوب التصوير بـ “الكولوديون” او ما يعرف بـ “الشريحة الرطبة” الانجليزي فريدريك سكات ارتشر(1813–1857). هذه الاحتفالية التي ترعاها “منظمة التصوير بطريقة الكولوديون” خصصت اليوم الأول من شهر مايو ليكون يوما للتصوير بهذه الطريقة التقليدية تكريما لمخترعها واحتفالا بالمصورين القلة الذين لا يزالون يمارسون هذا النوع من التصوير. ومن ضمن ما تقدمه المنظمة هو طباعة كتاب سنوي يتضمن أعمال المصورين المنتجة في هذا اليوم.

حين اخترع أرتشر التصوير بلكولوديون او الشريحة الرطبة قبل أكثر من مئة وخمسين سنة، كان حينها التصوير في مراحله البدائية وحينها استبدلت هذه الطريقة الطويلة والمعقدة والخطرة بعض الطرق الأقدم منها مثل “داقيرو تايب” وغيرها. ولان الحديث يطول عن الكولوديون كمادة كيميائية او كأسلوب تصوير إلا انه جدير بالذكر من واقع تجرتي الشخصية أن هذا النوع من التصوير، وكما قال كثير من ممارسيه، رحلة في الماضي. رحلة الى العهد الاول للمصورين الرحالة باستوديوهاتهم المتنقلة من اجل التقاط صور شخصية بطريقة الكولوديون، رحلة إلى زمن الحرب الأهلية الأمريكية.

وما جعل لهذا النوع من التصوير شهرة كبيرة هو الصور المنتجة خلال الحرب الأهلية الأمريكية في ستينات القرن التاسع عشر. ليس لأنها وثقت تلك المرحلة ولكن لأنه ظهر خلالها أسلوب اجتماعي ثقافي في فكر التصوير أو ما يمكن وصفه بـ الـ”ترند” نتيجة المرحلة والحاجة، وهذا موضوع أخر سأكتب عنه لاحقا.

وسبب اختياري لهذا “البوز Pose” وهذا المسدس والشماغ له علاقة مباشرة بـ الترند في زمن الحرب الأهلية الأمريكية. والفكرة هي  صنع بورترية لعربي تعود لتلك المرحلة. المفارقة في هذه الصورة أنني لم استطع أن ابدي ملامح القسوة او الشجاعة أو الفخر كما كانت تتطلب صور تلك المرحلة. وكما قال احد الأصدقاء الأمريكيين المشاركين معي في التصوير في ذلك اليوم، “هذه أول صورة لرجل مبتسم خلال الحرب الأهلية الأمريكية”

كانت هذه التجربة هي نتاج ورشة عمل مع احد المدرسين في الجامعة وفي معمله الخاص. وهي نشاط خارج الجامعة أقمناه للاحتفال كما قلت بمخترع التصوير ومن اجل التعرف على هذا النوع من التصوير الذي يتطلب الصبر والمعرفة الدقيقة لطرق صناعة صورة واحدة والتي قد تستغرق وقتا يصل إلى ساعات حتى يتم الوصول إلى الطريقة الصحيحة للتعريض والتحميض، والاهم ان التقاط الصورة وتحميضها يجب ان يتم والشريحة لا تزال رطبة!

المدرس والفنان الفوتوغرافي مارك زيميرمان، احد القلائل في ولاية أوكلاهوما ممن يمارسون هذا النوع من التصوير وهو احد خريجي ورشة المصور النيويوركي المشهور عالميا بهذا النوع من التصوير جون كوفر . وكروفر احد أهم من لا يزال يدرب المصورين على هذا النوع من التصوير، ليس فقط كطريقة صناعة الصورة، بل لأن طلابه، خلال ورش العمل، يعيشون تجربة الحياة ما قبل مئة وخمسين سنة حيث يعيش بالإمكانيات التي كانت متوفرة في زمن الحرب الأهلية الأمريكية. تقرير تلفزيوني عن جون كوفر.

مع كل المتعة والجهد البدني والذهني لهكذا نوع من التصوير، تظل خطورة هذا النوع من التصوير أمرا مهما ومحبطا. فالمواد الكيميائية المستعملة قابلة للاشتعال والانفجار بالإضافة إلى سميتها الخطيرة جدا. وهو (التصوير بالكولوديون) مقارنة بالأساليب القديمة، يعتبر من أخطرها.

الصورة الشخصية المعروضة هنا عبارة عن قطعة ألمونيوم مقاس 4×5 انش. وبتعريض يصل تقريبا إلى الثانيتين بكاميرا لارج فورمات 8×10 أنش.

Musleh Jameel's Collodion
مصلح جميل اثناء وضع الكولوديون على شريحة الالمونيوم.

musleh collodion 2