التصوير المغاير..العودة مائة سنة إلى الوراء

مجموعة صور فوتوغرافية

مصدر المقالة: صحيفة اليوم

نشرت صحيفة «الوطن» (1) (2) عبر مراسلها الزميل يوسف الحربي أكثر من لقاء مع الفنان علي الدوسري حول معرضه وتجربته الفوتوغرافية «التصوير المغاير».

وتحدث الدوسري عن تجربته التي وصفها بالجديدة في عالم التصوير الضوئي بخلقها آفاقا جديدة للمصورين كما ذكر. مؤخرا قال: إنه في جولة عالمية للتعريف بهذا الفن الجديد.

ورغم تقديري لجدية الفنان الدوسري في تسويق تجربته على مستوى المعارض أو الصحافة، إلا أن تصريحاته حول هذا النوع من التصوير بها كثير من التناقض والمغالطات التاريخية والفنية مما يتطلب أن تقرأ هذه التجربة وتصريحات الفنان الدوسري بجدية وبموضوعية، ليس من أجل تعطيلها أو تهميشها بقدر ما يكون تصحيحا لمسارها وتنويرا لوعي ممارسيها وتصحيحا لما رافقها من مغالطات.

ذكر الفنان الدوسري أنه «أول من استخدم تجربة «التصوير المغاير» والتي يصفها بأنها «تحريك آلة التصوير أمام الأشكال المراد تصويرها، أثناء فتح الغالق لرسم العمل المراد تنفيذه». ولم يذكر الفنان الدوسري الأولية على أي مستوى، هل هو عالمي أم محلي؟ ففي كلتا الحالتين لا يمكن له أو لغيره الجزم بالأولوية محليا أو عالميا. فتاريخ صنع الكاميرا بحد ذاتها، ومن هو أول من صنعها، لا يزال أمرا غير محسوم منذ قرنين من الزمن. ومحليا لا يمكن لأي فنان أن يجزم بشكل قاطع أنه أول من استعمل تقنية ضوئية معينة، لأنه لا يوجد لدينا توثيق لبدايات التصوير محليا سواء على مستوى رسمي أو توثيق على مستوى كثير من ممارسي هذا الفن خاصة في البدايات.

 حين ندرس الفكرة من الآلية التي يستعملها الفنان الدوسري فإننا نجد أنها سبق واستعملت منذ أكثر من مائة سنة. فالفكرة هي الحصول على تأثيرات تجريدية أو الحصول على مزيج من الألوان والأشكال من الموضوع المصور بدون نقل صورته الواقعية. لذا، تحريك الكاميرا وغالقها مفتوح –طريقة الدوسري- ليست الطريقة الوحيدة للحصول على هذه النتيجة، إذ يمكن تحريك الموضوع أمام الكاميرا، أو استعمال التعريض المتعدد أو استعمال مصدر إضاءة متحرك. ويمكن أيضا استعمال فلتر في برنامج الفوتوشوب ليقوم بذلك في ثانية!

وتجربة الفنان الدوسري التي يصفها بالحديثة هي تقارب في التكنيك/الآلية لمبدأ «التصوير الديناميكي المستقبلي» الذي أتت به الحركة المستقبلية في ايطاليا في العام 1911م . ففي بيان/مانيفستو الحركة الذي أصدره أحد روادها»أنتون براقاقليا» والذي عنونه بـ»التصوير الديناميكي المستقبلي» رفض تلك الحركة فكرة التصوير الذي يقوم على نقل الواقع كما هو، وطالب روادها بتجسيد الحداثة والحياة والحركة في الصورة عن طريق التصوير بالتعريض الطويل والتقاط الحركة أمام الكاميرا. ورغم البعد الكلي والجذري لفلسفة هذه الحركة عن تجربة الفنان الدوسري إلا أن الأسلوب هو ذاته في الحصول على صورة غير واقعية، مختلفة ومغايرة عن صورة الموضوع الواقعية.

على مستوى تطبيق ذات الآلية التي يستعملها الفنان الدوسري نجد كثيرا من الفوتوغرافيين مارسوا هذه التقنية منذ عدة عقود. واستشهد هنا بفنان روسي (أليكسي تيتارينكو Alexey Titarenko ) الذي يصور منذ السبعينات بأفلام الأبيض والأسود ويقوم بتحرك الكاميرا أثناء التصوير. وهو يقوم بذلك لبعد فني وتعبيري أعمق من مجرد الحصول على شيء مغاير. واستشهادي بهذا الفنان دون غيره لوجود فيلم وثائقي عن تجربته وهو يقوم بتحريك الكاميرا أثناء التصوير، والفيلم متوفر على موقع «يو تيوب» وعلى موقع الفنان. وعلى المستوى المحلي فقد قمت شخصيا بعدة تجارب انطباعية بالأفلام الملونة عام 2005 بطريقة التعريض المتعدد وتحريك الكاميرا أمام الموضوع المصور وقد نشرت تلك التجربة في عدة منتديات فوتوغرافية في حينها. وقد كنت قد تعلمت تلك الفكرة من المصور (أندريه قالنت) الذي نشر كتابا يعلم هذه الآلية. بل، وتمتلئ المكتبات بالكتب الفوتوغرافية والدروس التي تعلم هذا النوع من التصوير. واستشهد بكتاب صدر في 1970 بعنوان «دليل المبتدئ للتصوير الفوتوغرافي» لمؤلفه «رالف هاتيرسلي» حيث قال في أحد نصائحه، «تحريك كاميرتك بدلا من موضوعك سيعطيك تأثير الحركة الضبابية/المبهمة» وفي كتاب أخر صادر عن دار أي ام فوتو نيويورك 1986 بعنوان «تطوير أسلوبك الفوتوغرافي» يقول مؤلفه لو جيكب جونيورز في الصفحة 78 عن طريقة التصوير بالكاميرا بتعريض طويل وتحريك الكاميرا، «حمل الكاميرا باليد مع تعريض طويل يساعد على إنتاج صور انطباعية».

وهذا النوع من التصوير الذي يعرف أكاديميا وفنيا بالتصوير الانطباعي. وقد تذهب بعض الكتب الأكاديمية والنقاد إلى تسميته تعبيري أو تجريبي. أما أن يكون مغايرا فهذا مصطلح بدون دلالة فنية أو أكاديمية. فالتصوير فن، مثل أي فن آخر، إطلاق مسمى سينما مغايرة أو نحت مغاير أو رسم مغاير لا يحمل أي دلالة فنية أو تاريخية.

أما اذا كان الفنان الدوسري يعني بقوله « إنها تقنية حديثة في عالم التصوير الضوئي» قاصدا التقنية الرقمية فهذا أمر غير منطقي أن نطلق مصطلح حديث لتقنية متوفرة منذ أكثر من عقدين من الزمن وتمتلئ المكتبات بالكتب التي خصصت لتعليم هذا النوع من التصوير الرقمي. أي أن صفة الحداثة كمفهوم وكتقنية وكآلية لا تتوفر في تجربة الفنان الدوسري المغايرة!

أيضا، ذكر الفنان الدوسري «إن الهدف من هذه التقنية هو خلق آفاق جديدة أمام المصور للإبداع الفني والسعي في إيجاد مواضيع أكثر حرية وإبداعا». ومصطلحات الفنان الدوسري تقترب حرفيا مما ورد في مانيفستو الحركة المستقبلية حيث قال أنتون براقاقليا عام 1911، «نريد أن نرتقي بالتصوير الضوئي إلى مستوى الفن.. فعن طريق التصوير الديناميكي لن يكون التصوير هو التصوير العادي بل شيء أكثر سموا/إبداعا». ورغم الفلسفة العميقة للحركة المستقبلية ورغم تمجيدهم لطريقتهم ووصفها بالفتح الجديد في التصوير إلا إنها سرعان ما فشلت واندثرت. فالكاميرا هي أداة إبداع ووسيلة تعبير حتى في أكثر حالاتها صدقا ونقلا للواقع بأدق تفاصيله كما نرى في أعمال كثير من الفنانين وأشهرهم انسل آدمز الذي جعل صور صخور ورمال الغرب الأمريكي مليئة بالدهشة والإبداع محملا إياها أسمي أشكال التعبير الفني الضوئي.

مما ذكره الفنان الدوسري أن الآلية التي يستعملها تسعى إلى توظيف آلة التصوير للعمل التشكيلي». وأضاف أن «التصوير خارج من رحم الفن التشكيلي وهو وليد لهذا الفن الأساسي». وهذه الجملة خاطئة ومغالطة يجب أن لا تمر بدون تصحيح، من أجل التاريخ والفن. فمصطلح الفن التشكيلي مصطلح مضلل جدا. إذ يعني للكثيرين فن الرسم. وإذا كان هذا ما يعنيه الفنان الدوسري، فأنه لا يمكن منطقيا وعمليا وفنيا أن تنتج آلة التصوير رسما لأن هذا ضد ميكانيكيتها. وإذا كان الفنان الدوسري يعني بالفن التشكيلي الفنون البصرية جمعاء مثل النحت والرسم وغيرها فإن إخراجه للتصوير من بين هذه الفنون أمر يدل على أن لدى الفنان الدوسري فكرة مغلوطة تجاه التصوير. فالتصوير من أهم الفنون البصرية وفن يدرس جنبا إلى جنب مع كل الفنون البصرية في مدارس الفنون في العالم. والصورة الفوتوغرافية أصبحت لها مكانة في متاحف الفنون ومكانة عالية في سوق الأعمال الفنية رغم عمرها القصير نسبيا. أيضا، أن يقول الفنان الدوسري أن التصوير خارج من رحم الفن التشكيلي فهذه جملة بدون أي معنى فني أو تاريخي أو علمي. فالتصوير من ميكانيكية الآلة/الكاميرا إلى شرائح الأفلام والمواد الكيميائية وحساسات الكاميرات الرقمية ليس لها علاقة إطلاقا بالرسم إلا في تشابه كثير من القوانين البصرية التي تنطبق على كل الفنون.

أيضا من الأسئلة المهمة عن هذه التجربة هو السؤال عن ماهية المواضيع المصورة. هل هي مواضيع ثلاثية الأبعاد حركية أم ساكنة، أم هي في الأساس أعمال فنية ثنائية الأبعاد من رسومات وتصاميم وخط وصور وكل ما قامت به الكاميرا هي تشويه وتمويه لحقيقتها وأصلها لخلق صور تجريدية وكتل لونية وخطوط وأشكال هندسية ثنائية الإبعاد؟ أيضا حين نتحدث عن تصوير فوتوغرافي يجب أن نطرح سؤالا عن الأداة/الكاميرا كعنصر مهم في إنتاج العمل الفني، وماذا قامت به الكاميرا غير ما يمكن أن تقوم به ماسحة ضوئية مع فلتر «ارتيستك» في الفوتوشوب؟

أخيرا، أقدر للفنان الدوسري خطوته في التجريب وتقديم التجربة محليا في عدة معارض لتحريك المياه الراكدة في المشهد الفوتوغرافي المحلي، الا إنني كممارس للتصوير ومتخصص أكاديميا في فنونه وتاريخه أجد من واجبي توضيح وتصحيح ما أراه وأعتقد أنه يحتاج إلى ذلك.

مصادر الصور: Bragaglia Titarenko جريدة الوطن

*التجارب الفوتوغرافية التي تمت بطريقة تحريك الكاميرا، والكتب الفوتوغرافية التي تتحدث عن وتعلم هذه الطريقة، والمواقع الالكترونية التي تشرح هذه الطريقة، ومواقع عرض الصور على الانترنت واسماء المصورين الذين استعملوا هذه الطريقة: أكثر مما تحتمل هذه المقالة عرضه.

Share:

4 thoughts on “التصوير المغاير..العودة مائة سنة إلى الوراء

  1. حسن جاسم |

    تحياتي لك أخي العزيز مصلح .. على الطرح الراقي

    نحتاج للكثير من هذا الوعي لنرتقي بالحركة الفنية …دمت مبدعاً

  2. هلا المفيريج |

    السلام عليكم

    تفصايل أوضح قدمتها لنا استاذ مصلح عن هذا النوع من التصوير

    والله يعطيك العافية ممكن تعطينا مسماه بالأنجليزي

    وشكراً

Leave a Reply

Your email address will not be published.Please enter all required information below!