امراة تموت عطشا..ما الجديد؟

jehad nga

على الصفحة الأولى لجريدة النيويورك تايمز، (عدد 54792) نشرت صورة لـلمصور جهاد نقا، والصورة كما أتى الشرح المرافق لها، “امرأة عجوز تُسقى ماء. الكثير من كبار السن واهنون أو مرضى ولا يستطيعوا إطعام أنفسهم.”

شدت انتباهي هذه الصورة على صدر الصحيفة لسبب هي أنها ذكرتني بالصورة الفائزة بجائزة مسابقة الصور الصحفية العالمية للعام 2005م فهي وان اختلفت الدولة الملتقطة فيها الصورة أو اختلفت العدسة وزاوية الالتقاط، إلا إنها صور تتشابه في الموود العام والألوان والموضوع والحقيقة التي هي أن الإنسان يموت في إفريقيا من الجوع والعطش. والصورة من الوهلة الأولى –حتى بدون قراءة التعليق المرافق لها- تدل على إنها صورة ملتقطة في إفريقيا لأثار الجفاف والعطش. ( صحراء لوكوري، شمال كينيا).

باعتقادي أن الكثيرين لديهم صورة ذهنية للقارة الإفريقية: مجاعة، فقر، جفاف، حروب، أطفال سود عراة. هذه الصور لم تخلقها ووسائل الإعلام بل تنقلها لنا كحقيقة، ولكن يبدو أن هذه الحقيقة لم تعد مثيرة للاهتمام الإنساني الفردي. لم تعد هذه الصور تحدث تلك الصدمة للإنسان لتحرك مشاعره وتجعله يفكر ويتخذ قرار ايجابي لإنقاذ الإنسان. أصبحت هذه الصور وسيلة للفرجة والمشاهدة العابرة، بعد أن امتلأت الذهنية الإنسانية بالكثير من صور الحرب والجوع والموت. لا أنكر أن هناك منظمات غير ربحية تعمل من أجل الإنسان والبيئة، ولكنها تبدو غير متاحة لكل فرد يرى مثل هذه الصور ليتحرك ويتقدم للمساعدة. وحتى على المستوى الإنساني الشخصي بعيدا عن المساعدة المادية أو غير المادية: هل لمثل هذه الصور تأثير على الفرد ليعدل من سلوكياته الاستهلاكية والحياتية بشكل عام تضامنيا مع الإنسان في قارة أخرى. أمر محير وأنا أقيس من منظور شخصي وأتأمل الآخرين. هل أصبحنا متبلدو المشاعر بسبب الكم الهائل من هذه الصور؟ هل أدمنا صور الحرب والأشلاء والكوارث الطبيعية لدرجة أن الصور لم تعد لها قيمتها الثقافية المؤثرة؟

الصورة الفائزة بحائزة الصور الصحفية العالمية 2005.

الصورة الفائزة بحائزة الصور الصحفية العالمية 2005.

صورة جهاد، على المستوى التقني للصورة، هي صورة “مشبعة” بالتكثيفات اللونية والتعديلات القاسية على مستويات الإضاءة –كما هو حال كثير من صوره- تبقى هذه الصورة ناقلة للحقيقة، أو جزء منها على الأقل، بغض النظر عن الدخول في تفصيلات وتأويلات الحقيقة. وهذه الحقيقة المؤلمة التي تنقلها لنا الصورة بكل ألوانها وتعابيرها وزاويتها اعتبرها  من وجهة نظري جديرة بأن تضع هذه الصورة على قائمة الصور المرشحة والمنافسة لكثير من جوائز المنظمات الصحفية المهتمة بالصور الصحفية.

Share:

2 thoughts on “امراة تموت عطشا..ما الجديد؟

  1. محمد خلف |

    وصلت الرسالة عن أفريقيا و شظف العيش فيها و لم يتوقف مرتزقة الاعلام عن التسلق على اكتاف هذه القارة العجوز …

    رحلات مصورين ناشيونال جيوقرافك و المهووسيين غيرهم لرصد البشر المطحونين برحى الثلاثي البشع – المرض، المجاعة و الحرب – كم تكلف سنوياً؟

    بودي لو أعرف كم تربح ناشيونال جيوجرافك سنوياً و بكم تتبرع؟

  2. مصلح جميل |

    أهلين محمد.. بصراحة كنت اتمنى ان لدي اجابة على سؤالك عن ارباح ناشيونال جيوكرافيك وبكم تتبرع.
    المهم ان هذه المنظمة اثرت كثيرا بشكل ايجابي على مستويات عدة منها التعليمي والبيئي والانساني والتاريخي.

    وبخصوص ما اسميتهم مرتزقة الاعلام المتسلقين على اكتاف القارة العجوز فأنا ارى ان الكثير منهم يقوم بما يجب ان يقام به.. انه عمل الاعلامي حتى ولو كان فيه جانب من الشهرة او المال.. والنقاش حول هذه النقطة طويل وربما نتحدث بشكل موسع في تدوينة اخرى..

    شكرا لتواجدك ومداخلاتك
    كل الامنيات

Leave a Reply

Your email address will not be published.Please enter all required information below!