ألف صورة وكلمة

الرجل الوحيد على الشاطئ

على خليج المكسيك، يمتد شاطئ مدينة (كلير ووتر Clearwater) الامريكية برماله البيضاء لأربعة كيلومترات. كليرووتر او المياه الصافية كما يمكن ترجمة اسم المدينة الذي يقال بأنه يعود لوجود نبع مياه في المدينة سميته عليه، مدينة صغيرة شاطئها صاخب ومزدحم نهارا على مدار أيام السنة. وحين زرتها نهاية شهر ديسمبر ٢٠٠٨م لقضاء اجازة رأس السنة كان الجو في النهار مغريا بأن يذهب الناس إلى الشاطئ ليزدحم بالاصوات والضحكات والأمواج وطائرات الإعلانات التجارية التي تجوب السماء.

وفي نهاية اليوم الأول لوصولي هناك وهو يوم ما قبل رأس السنة ٣٠ ديسمبر، لاحظت رجلا يقف وحيدا، مستندا على جذع شجرة واشنطونيا من ضمن مجموعة أشجار تتوزع على امتداد الشاطئ.  كان منظرا رومانسيا ومحزنا. فالشاطيء الذي كان صاخبا يعج بالالاف قبل دقائق اصبح خاليا إلا من هذا الرجل. كانت الشمس قد غابت تماما وظهر القمر خجولا ولكنه كان جميلا كسر زرقة السماء وأصبح في مرمى نظر الرجل. التقطت خمس صور مستعملا الحامل الثلاثي للكاميرا ثم رحلت. في اليوم التالي كان الشاطئ مزدحما كما يفترض بشواطئ فلوريدا نهارا واستمر الازدحام لما بعد منتصف الليل حين احتفل الآلاف برأس السنة. لم اعد بعدها للشاطئ فقد رحلت في اليوم التالي ولكني عدت لألبوم الصور بعد ما يقارب العشر سنوات! وظهرت لي هذه الصورة. تذكرت تلك اللحظة وذلك الرجل الذي يقف وحيدا بعد الغروب على شاطئ كلييرووتر، خليج المكسيك!

 

جاك دايكنقا من التصوير الصحفي للطبيعة

عندما ابحث عن الإلهام والتغذية البصرية في تصوير الطبيعة الملون يخطر في ذهني -مع مجموعة آخرين من مصوري الافلام والكاميرات ذات القطع الكبير والمتوسط- المصور الأمريكي Jack Dykinga  . و اول ما وقعت على أعماله حين بدأ شغفي بتصوير الطبيعة وتحديدا بالأفلام الموجبة. ودايكنقا يصور بالكاميرات من القطع الكبير وتحديدا في الجنوب الغربي من أمريكا. والمدهش في رحلة دايكنقا مع الكاميرا هو انتقاله من التصوير الصحفي إلى تصوير الطبيعة. فبعد عدة سنوات من العمل  كمصور صحفي حقق خلالها أهم جائزة امريكية تعطى للمصورين الصحفيين (جائزة البوليتزر) قادته الحياة ليتحول من مطاردة الحوادث اليومية والقصص الانسانية لحياة البرية كمصور وكقائد لرحلات تجول على الاقدام .انتقل دايكنقا من شيكاغو الى مدينة توسكن في اريزونا. ذلك الانتقال من التصوير الصحفي جعله يحمل ذات الهدف من الصحافة لصور الطبيعة: ان تحدث تأثيرا “.. لطالما رغبت في عمل شيء مرتبط بالأرض”. ولم تكن صور دايكنجا بعد ذلك صورا لتوثيق جمال الطبيعة فقط، “عندما انغمست في تصوير الطبيعة تعلمت المشاكل التي تواجه الطبيعة وأدركت قوة الصورة، فهي تساعد في دفع مصاريف الحياة ولكن يمكنها ان تغير وجهات النظر”. وبالفعل، لعبت صوره دورا في الحفاظ على الطبيعة وانشاء محمية طبيعية على الحدود الامريكية المكسيكة.

Continue reading

فاترينة الاعالي

 

 

منذ عدة سنوات لم اعد احمل معي اي كاميرا احترافية حين اسافر في اجازة.  ولهذا عدة اسباب ليس هنا مقام ذكرها ولكني في لحظات اتمنى ان معي كاميرا وعدسات احترافية، و اخر هذه اللحظات حين صعدت الدور السابع لمقهى ومطعم فندق ( Best Western Plus the President Hotel) في اسطنبول وقت الغروب ليس من اجل التصوير ولكن لمشاهدة الغروب على مضيق البسفور وجامع السلطان احمد ولكن حين لمحت هذه الفاترينة في الجهة الاخرى معلقة بين اسطح المباني لم اتمالك نفسي من التركيز عليها ومحاولة التقاط صورة  تظهر التباين بين ظلمة المكان وانارة فاترينة ازياء السهرة! بين دفء تلك الاضاء وما يشبه الصقيع على بقية المكان. مشهد المانيكان بتلك الاضاءة والالوان بين اسطح منطقة الفاتح في اسطنبول كان مشهدا مختلفا. لماذا توجد نافذة العرض تلك بذلك الارتفاع؟ هل هي لمتسوقي النوافذ من سكان الادوار العليا؟ هل هي تجسيد حرفي للازياء الراقية؟ لا ادري، ولكنه مشهد ولحظة تستحق صورة.

لم يكن معي الا كاميرا كانون المدمجة G7X التي احملها في احيان للتوثيق، وبدون حامل كاميرا  وزاوية ضيقة وتعريض صعب، ولا يمكنني استعمال حساسية عالية مع هذه الكاميرا الصغيرة. التقطت عدة صور وكان هناك تباين بين السماء والفاترينة لذا قررت الانتظار لعدة دقائق  لحين توازن اضاءة السماء و اضاءة الفاترينة، وكان انتظار مثمر، فحين حلت اللحظة المناسبة لاحظت منارات المسجد قد اضيئت مما جعلني اقرر ان ادرج المسجد في الصورة. ورغم انني لا احب توسيط الموضوع في الكادر وكنت مجبرا هنا الا انني اعتقد انه تكوين موفق. بعد لحظات من التقاطي لهذه الصورة بدأت بعض النوافذ تضيء والسماء تظلم وتختفي معالم بقية المكان ولكن الفساتين بقيت متوهجة بانتظار مساء صاخب.

التعريض: سرعة غالق ١٣ جزء من الثانية وفتحة عدسة ٢.٨ وحساسية ٢٠٠.

حلم ليلة صيفية – تصوير قسورة

 

وكنت قد عدت قبل ايام لتصفح ارشيف المرحوم الدكتور والاخ والصديق الفنان طارق الجهني ( قسورة ) رحمه الله، وشعرت برغبة في ان اسرد بعض القصص التي عايشتها حول بعض صوره التي التقطها خلال رحلاتنا معا. وعلاقة الصداقة والاخوة التي ربطتني بطارق لعدة سنوات سبق وكتبت عنها مقالة كانت لتنشر في كتاب كان مقررا له الصدور قبل عدة سنوات بعد وفاته رحمه الله من قبل بعض محبيه واقاربه، ولم يصدر الكتاب حسب علمي، بكل اسف. وساعود للكتابة عن طارق الصديق والملهم والمعلم، اما في هذه السلسلة سأكتب وأعرض بعضا من اعماله رحمه الله.

هذه الصورة التي عنونها ( حلم ليلة صيفية ) التقطها على شاطئ العقير بالمنطقة الشرقية حيث كنا في رحلة تصوير انا والاصدقاء عبدالغفار المطوع ومحمد الخباز وحسن النمر و ثامر الجهني في ٢٠ من شهر يوليو ٢٠٠٣م م وامضينا ليلة على البحر مجتمعين حول النار طوال الليل في احاديث جلها عن التصوير. وكان الهدف من تلك الرحلة هو التصوير عصرا والنوم على شاطئ العقير ومن ثم التصوير صباحا. واثناء جلسة السمر ليلا، ظهر القمر، فتحمس طارق واخرج كاميراته المينولتا الصغيرة (Minolta 700x) التي كان يحبها كثيرا ووضعها على حامل ثلاثي باتجاه القمر وفي مقدمة الصورة عدد من النخيل التي يتميز بها شاطئ العقير. لا اذكر الفيلم المستعمل ولا بقية الاعدادات. والتعريض حسب ما ذكره طارق انه اكثر من ٥ دقائق، وهذا يبدو من تعريض القمر. ويبدو لي ان الفوكس كان على القمر او على ال ما لا نهاية. وخرجت هذه الصورة الجميلة لاحقا التي ادهشتنا بساطتها وجماليتها وشاعريتها.

الصورة الرسمية للرئيس الفرنسي

نشر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يوم الخميس ٢٩ يوليو عبره حسابه الرسمي في تويتر صورته الشخصية الرسمية والتي يفترض انها ستكون الصورة الرسمية التي تنشر مع اخباره وتعلق في المكاتب والمباني الحكومية الفرنسية وسفارات بلاده في الخارج. الصورة التقطتها مصورة الرئيس الفرنسي (Soazig De La Moissonnière ).

الصورة بطبيعتها صورة بورترية مجهز لها كل شيء من اضاءة ومكان وتكوين وكل ما سيظهر في الصورة من اشياء ذات دلالات مباشرة ورمزية مثل وجود الكتب، الساعة، النافذة المفتوحة وعلمين خلف المكتب (علم فرنسا وعلم الاتحاد الاوربي)، وقد تطرق مقال في صحيفة النييورك تايمز عن دلالات كل هذه الاشياء (الزحمة) في الصورة وهي من أهم عيوبها وفي نفس الوقت هذا ما جعلها مختلفة. وعلى سبيل المثال لا الحصر فان النافذة المفتوحة تدل على انفتاح ساسية فرنسا وماكرون وعلى الهواء المنعش في قصر الحكم، العلم الاوروبي بنفس حجم واهمية علم فرنسا له دلالة لموقف ماكرون من الاتحاد، اجهزة الايفون للدلالة على المعاصرة والتقنية، الساعة التي تشير للثامنة والثلث للدلالة على الوقت المبكر للعمل وما الى ذلك. وفي فيديو لما خلف الكواليس نشرته احدى مستشارات الرئيس الاعلامية  يظهر الرئيس الفرنسي قبل التصوير وهو يضع جهازي ايفون على المكتب ثم يفتح كتاب مذكرات شارل ديغول بعناية ويختار صفحة بعينها ويضعه مفتوحا على سطح مكتبه كما يظهر في الصورة.

من وجهة نظري الشخصية Continue reading

لويزيانا

 

عدت مؤخرا لمسح ( scan ) مئات من النيقاتيف التي التقطتها خلال اقامتي في امريكا للدراسة من عام 2007 لـ 2010 وللمفارقة انني نسيت الكثير منها فقد كنت في اغلب الاحيان اجرب فيلم او كاميرا او اصور لمجرد متعة التصوير، خاصة بكاميرات القطع المتوسط.

هذه الصورة وجدتها مع صور اخرى التقطتها في طريق عودتي من احدى رحلاتي عائدا من ولاية فلوريدا باتجاه مدينة  اوكلاهوما وكنت حينها مسافرا على الطريق السريع 20. وهي بالتأكيد ملتقطة في ولاية لوزيانا ولا ادري هل هذا المكان عبارة عن نهر او بحيرة بالقرب من الطريق السريع ام انني سلكت احد الطرق الريفية كما هي عادتي في كثير من الاحيان حين اسافر برا في امريكا. بكل تأكيد التقطت الصورة في الاسبوع الاول من يناير 2010 بعد ان قضيت رأس السنة في المدينة الصغيرة (Clear Water) على سواحل خليج المكسيك, وبعدها بيومين انطلقت عائدا مرورا بمدينة تلاهاسي وبنما سيتي ثم جاكسون ميسيسيبي. اتذكر انني قضيت ليلة في جاكسون في موتيل صغير وكانت ليلة موحشة، لذا لم اصدق ان تظهر خيوط الشمس الاولى لانطلق تاركا ولاية مسيسيبي البائسة خلفي متجه غربا.
الفيلم الذي استعملته هو ilford HP5 400 وهو فيلم نادرا ما استعمله ولكن كما يبدو لي كنت اجربه مقارنة بافلام الفورد الاخرى. الكاميرا ماميا من القطع المتوسط 645 واذكر انني اشتريتها من اي باي مع عدستين. ويبدو لي من تباين الصورة انني استعملت فلتر برتقالي.
ما احببته في هذه الصورة هو انها تجسد طبيعة ولاية لويزيانا وهي تقريبا اجود صورة التقطتها في اراضيها، ما لم اكتشف لاحقا ان لدي صور اخرى التقطتها هناك و قد نسيتها.

إليان قونزاليس البطل والضحية

من الصور الصحفية التي منحت مصورها جائزة البولتزر، لفئة صور الاخبار العاجلة، هذه الصورة لشرطي امريكي فدرالي اقتحم مع افراد شرطة اخرين من القوات الخاصة بيت أقرباء الطفل الكوبي اليان قونزالس في ميامي في الثاني والعشرين من ابريل ٢٠٠٠م.

الصورة لها أهمية كبيرة، واثارت جدلا وردود فعل شعبية وحكومية ومعارك اعلامية وسياسية.

والقصة المختصرة، أن اليان قونزالس غادر كوبا وهو في السادسة من عمره برفقة والدته وبضعة كوبيين اخرين كمهاجرين غير شرعيين يطمحون للوصول الى ميامي الامريكية. غرق قاربهم، ولم ينج الا الطفل واثنين اخرين لم تكن والدته من ضمنهم! انقذ اثنين من صيادي الاسماك الطفل ومن نجى معه وسلموهم للسلطات الامريكية التي بدورها سلمت الطفل الى اقرباءه الامريكيين من اصول كوبية في ميامي لحين النظر القضائي في قضيتهم كمهاجرين غير شرعيين.

وبدأ جدل شعبي وحكومي امريكي وكوبي ودولي حول الطفل حين طالب والده المقيم في كوبا بأن يعاد طفله إليه في كوبا لانه غادر مع والدته بدون علمه (والدة قونزالس كانت قد غادرت كوبا بطريقة غير شرعية مع صديقها وبدون علم والد قونزالس!). ونظرا لوجود قانون خاص بالمهاجرين الكوبيين لامريكا قد يمنحهم حق الاقامة في امريكا، رفض أقرباء قونزالس في ميامي فكرة إعادته الى كوبا، ولكن حكم المحكمة الفدرالية الامريكية كان يقضي بإعادة الطفل لكوبا. وتدخلت الجالية الكوبية في ميامي برفض حكم المحكمة والتجمهر امام منزل اقرباء الطفل.

لم تجد الحكومة الامريكية بداً من الدخول عنوة الى المنزل لأخذ الطفل واعادته الى والده! وفي هذه الصورة التاريخية التي وثق فيها مصور وكالة الاسوشيتد برس )ألن دياز( مشهدا تاريخيا يظهر Continue reading

 ذات سفر

NWCOblackandwhite

ذات سفر، على حدود كولارادو ونيومكسيكو. كانت هذه العجول ترعى ساكنة في مروج الغرب الامريكي.  كانت الظهيرة ,اغرتني تشكيلات السحب والسماء طوال الطريق لالتقاط صورة، ومع ظهور هذه العجول التي قتلت رتابة المنظر وسكونه، قررت أن أتوقف.

كنت استعمل فلما ابيض واسود. ولان مثل هذه السحب تنادي لفلتر أحمر فقد كان لها ذلك. ولانني نسيت انني اضع مسبقا فلتر استقطاب (بولرايزر) على العدسة فقد كانت النتيجة كما هي الان، تباين قاسي في أجمل حالاته، حتى مع خسارتي لاجزاء من اطراف الصورة نتيجة استعمال فلترين معا على عدسة واسعة.

ذلك العجل الابيض (الجفول)،  جفل اولا، أخاف البقية، فشاركوني أنا والسحب مسار رحلتنا جنوبا باتجاه بلاد التاوز شمال نيومكسيكو..

جوليا مارجريت كاميرون.. الرومانسية الأولى

 

مصلح جميل 2011-08-18 

في السنين الأولى التي كان يحتفل فيها التصوير الفوتوغرافي بواقعيته ويتباهى المصورون بقدرة كاميراتهم على نسخ الواقع ونقل “الحقيقة” التي لا يمكن للرسم تجسيدها كما تفعل الكاميرا، كانت المصورة الإنجليزية جوليا مارجريت كاميرون تمهد طريقاً جديداً للتصوير، وتؤسس لرؤية مختلفة عن السائد في عصرها. ورغم أنها بدأت التصوير كوسيلة للتسلية في نهاية العقد الخامس من عمرها، بعد ما يقارب خمسة وعشرين سنة من إعلان التصوير (1839) إلا أنها تعتبر أحد أهم الفوتوغرافيات في تاريخ التصوير على عدة مستويات.
ولأنها كانت تعيش في العصر الفكتوري والرومانسي، فقد تأثرت كثيراً بالتوجهات الفنية والأدبية في تلك المرحلة حيث تطغى اللمسة الشاعرية على أغلب صورها. بالإضافة إلى استلهامها التاريخي والديني من شخصيات الأساطير الإغريقية ومن رسومات عصر النهضة ومن الأدب الإنجليزي ومن الشخصيات الإنجيلية. وقد استخدمت كاميرون أفراد عائلتها وخدمها كعارضين لتصويرهم وتجسيد الشخصيات التي تريد تصويرها.
صور كاميرون تميزت بأنها غير حادة، أي صور بتركيز/فوكس ناعم لا يظهر التفاصيل. وحتى لو كانت صورها الأولى غير الحادة نتيجة خطأ غير مقصود في آلية تركيز العدسة إلا أنها أسست لها أسلوباً مغايراً، اعتمدت فيه على التركيز الناعم، بالإضافة إلى أن التعريض الطويل الذي تنتج عنه حركة الموضوع المصور وبالتالي تخلق اهتزازاً يعزز من ضبابية الصورة.
ورغم أن صور كاميرون لم تلاق التقدير الذي تستحقه في وقتها، إلا أنها أحبت ما كانت تقوم به وأخلصت لأسلوبها وعرضته للعامة رغم المعارضة الشديدة والنقد الذي تعرضت له. ففي أحد رسائلها إلى العالم والمصور الإنجليزي هيرتشل تقول عن تجربتها، “ما أقوم به في صوري هو تعظيم للتصوير مع تضميني لشخصية من صوره باستعمال الفن الرفيع بجمع الواقعي والمثالي بدون التضحية بالحقيقة، مع تكريس الشاعري والجمالي”. وفي هذه الصورة التي التقطت قبل 150 عاماً تجسد العارضة هنا شخصية أوفيليا حبيبة هاملت في مسرحية الإنجليزي ويليم شكسبير. حيث يبدو أسلوب كاميرون واضحاً في استعمال التركيز الناعم وتأثير الحركة الذي جعل الصورة بالإضافة إلى ضبابيتها تشبه الحلم أو الصورة المتخيلة، ومع ذلك تبدو ملامح أوفيليا الحزينة واضحة. تبدو شاخصة بعيداً عن العدسة وكأن كاميرون صورت أوفيليا في إحدى أشد لحظات حزنها ووحدتها.
وأبعد من استلهام التاريخي والديني، والرومانسية التي عرفت بها، لقد أسست جوليا مارقريت كاميرون عدة مفاهيم مهمة في تصوير البروتريهات وعبرت بروح شاعرية عن المرأة في عصرها، والأهم من ذلك خروجها عن السائد والواقعي وفتح آفاق جديدة للصورة الفوتوغرافية.

المصدر: الوطن

سيدو كيتا..صورة واحدة فقط

saydou

مصلح جميل* 2011-08-11 2:05 AM

في استوديو صغير خلف سجن العاصمة المالية باماكو وعلى الطريق المؤدية إلى محطة القطار عمل المصور المالي سيدو كيتا (سعيد ولكن النطق غير العربي يجعله سيدو) بإمكانات متواضعة لما يقارب الخمسين عاما، صور خلالها عدة أجيال من الماليين ليحظى بشهرة محلية جيدة، انتهت حين سرقت معدات تصويره في نهاية السبعينات ليتحول إلى عامل تصليح دراجات وينتقل كنز فني من سلبيات الصور إلى صناديق في غرفة الجلوس في منزله.
في منتصف التسعينات من القرن الماضي بعد أن تقاعد عن التصوير بـ25 سنة، لعب الحظ دورا جوهريا في نقله من المحلية إلى العالمية بعد أن عرضت له ثلاث صور فوتوجرافية في أحد متاحف نيويورك، تحت اسم “مصور غير معروف”.
أدهشت تلك الصور الكثيرين بجودتها مما حدا بأحد الفرنسيين المهتمين بسوق الصورة للسفر إلى مالي للبحث عن الفنان المجهول. وبعد الاتفاق على عرض وتسويق صوره في أوروبا أصبح كيتا في مصاف مشاهير فناني البورتريه في العالم، وأصبحت صوره تعرض في المتاحف في أوروبا وأميركا وتباع النسخة الواحدة بعشرات الآلاف من الدولارات.
كيتا علم نفسه التصوير، بدأ التقاط الصور لزبائنه في الشارع بخلفيات متواضعة وأدوات زينة بسيطة، وفي أحيان كان يشتري دراجات وسيارات مستعملة ليتصور معها زبائنه، وبالإضافة إلى ذلك استعمل جدران الشوارع كخلفيات، وفي أحيان كان يستعمل قماشا كخلفية وفي صور أخرى يستعمل ذات القماش كغطاء لطاولة أو مقعد. والأكثر طرافة أنه استعمل في بداياته “ملاءة” سرير نومه كخلفية في بعض صوره، ومع ذلك، كان مطلوبا ليصور طبقات المجتمع المالي من عمال وحرفيين وبرجوازيين ومسؤولين، كوّن من خلالها أرشيفا بصريا لا يقدر بثمن للآلاف من الماليين الذين يعيشون في تلك الفترة تحت الاحتلال الفرنسي وكانوا يطمحون لشكل من الحياة المدنية الحديثة عبر تجسيد كيتا لهم، متأنقين ومرتدين ثيابا وإكسسوارات حديثة.
أرشيف كيتا أضاف لفن البورتريه فنانا فريدا في أسلوبه، وصورا ذات قيم جمالية وثقافية عالية. ولعل أبرز ما يميز صوره هو أسلوبه في توجيه زبائنه ليقفوا أمام الكاميرا، فقد كان يردد عليهم حين يطلب منهم الوقوف بطريقة معينة، “إنك تبدو جميلا بهذا الشكل”. ولم يكن أمامهم إلا الموافقة على قراراته كمصور إذ لم يكن يلتقط في أغلب الأحيان إلا صورة واحدة لكل زبون نظرا لقلة إمكاناته وإمكانات زبائنه.
وكما صرح لاحقا عن سر جماليات صوره “من السهل التقاط صورة ولكن ما يصنع الفرق أنني كنت أعرف دائما كيف أجد الوضعية المناسبة للشخص الذي أصوره ولم أكن أبدا مخطئا، يتم توجيه رؤوس من أصورهم بحركة بسيطة، وأياديهم توضع بطريقة معينة، كنت قادرا على أن أجعل أي شخص يبدو رائعا، صوري كانت دائما جيدة، لذلك أقول: هكذا هو الفن الحقيقي”.
ليس سر جمال صور كيتا في كيفية تصوير زبائنه فقط، بل في أصالة الصور التي وثقت الماليين بشكل مختلف عن النظرة النمطية التي يصورها أو يرسمها المستعمر الأجنبي لـ”الإنسان الأفريقي”، فالماليون في صور كيتا “مليئون بالحياة، يعيشون حياة مدنية وواثقون بأنفسهم”. وفي أغلب صوره، يبدو كما لو أن الناس مروا بالصدفة من أمام كاميرته غير متكلفين وكأن الوقوف أمام كاميرا كيتا لم يكن إلا أمرا عابرا ضمن برامج حياتهم اليومية التي قد تكون زيارة لحبيبة أو ذهابا إلى العمل أو حتى انتظارا على كرسي في شارع ما.
ونرى في صورة الشاب الذي يحمل الوردة، والفتاة الجالسة على الكرسي أكثر الأمثلة على فن كيتا في تكييف زبائنه أمام الكاميرا، فيد الشاب اليسرى تأخذنا باتجاه الوردة المنتصبة بأناقة باتجاه السماء، بينما الفتاة الجالسة تجبرنا حركة يديها أن نظل معها في حالة انتظار في دوامة بصرية من الذراع إلى الكف إلى اليد الأخرى ثم الرأس والعودة في ذات المسار.
أثبتت أغلب صور كيتا حسه العالي تجاه التكوين والتباين والتأطير ممثلة في استعماله لخلفيات بسيطة ولكنه يخترع في كل مرة صورة جديدة وفريدة. لقد استطاع أن ينتج صورا في غاية الجمال والحميمية، وأن يوثق حياة سكان مدينة باماكو بطريقة لم يحظ بها أي من المجتمعات الأفريقية المماثلة.
* كاتب ومصور سعودي

مصدر الصور: موقع سيدوكيتا

المصدر: الوطن

لقراءة الموضوع بصيغة PDF