حلم من زمن الكساد

حين يبدأ شعر الرأس بالتساقط ويصبح الصلع مصيرا محتوما تصبح قضية اختيار صالون حلاقة من أسهل المهام الحياتية بل وأتفهها. ولان الوضع كذلك معي، فأنني أعطيت نفسي فرصة التعرف على اقرب صالون حلاقة أجده حين اشعر بحاجة إلى حلاقة مستعجلة أو حين لا أجد وقتا لحلاقة شعر رأسي في المنزل!! وبذلك، تعرفت على صالون العجوز ( أرل جوردن ) في صيف 2009م. ولان الحلاقين يحبون الحديث ولديهم حكايات كثيرة، أجابني أرل حين سألته منذ متى وهو يعمل حلاقا، بأن الأقدم من ذلك حلمه بأن يصبح حلاقا.

في الثلاثينات، عز سنوات الكساد العظيم في أمريكا، ولد أرل في جنوب ولاية أوكلاهوما، التي تعتبر من الولايات التي تأثرت بالكساد وبما يسمى بقصعة الغبار والجفاف التي أجبرت الاوكلاهوميين على الرحيل من مزارعهم. في تلك الفترة كان يذهب أرل مع إخوته إلى المدينة الصغيرة القريبة من مزرعتهم ويرى صالونات الحلاقة النظيفة والناس تجلس وتتحدث، بدأ حلمه وهو في السادسة. وذات يوم بعد العودة من المدينة مبهورا بجمال صالونات الحلاقة، تأمل أرل الصغير غبار المزارع وبؤس أهلها فقال لوالديه “عندما أكبر لن أكون مزارعا فقيرا بين الأتربة..سأكون حلاقا”.

استمتعت بأحاديث العجوز أرل من بعد تلك القصة، زرت الصالون أكثر من مرة. وفي ربيع 2010م كنت أريد أن أنجز تقرير صحفي مصور وعرضت علي ارل أن يكون عن حياته وعمله اليومي، فرحب بي، وجلست لتسجيل الحوار واستمتعت أكثر بقصص كثيرة عن طفولته وتعرفه على زوجته وتنقل صالونه من أكثر من مكان وعن تأثير الوضع الاقتصادي على عمله بشكل خاص وعلى هذا النوع من الصالونات. كان دائما متفائلا مبتسما. يجسد بتفاؤله وثقته وسعادته ما كتب على لوحة معلقة في صالونه، “لماذا تقلق ..الله لا يزال على العرش”.

لقد تأثرت شخصيا بتجربته الحياتية وقصصه الكثيرة التي لم استطع إدراجها في هذا العرض. كيف حقق حلمه ويعيشه كل يوم حتى وهو يقترب من الثمانين من عمره. هذه التجربة الإنسانية الفردية، حتى ولو كانت متوارية في صالون متواضع في شارع متواضع في مدينة أوكلاهوما، إلا إنها كانت ممتعة بالنسبة لي وملهمة…ويكفي منها قوله بعد ستين سنة من عمله حلاقا، “أتمنى من كل شخص أن يعمل ما يحب.. وان يستمتع”.

العرض المصور: تصوير وتحرير: مصلح جميل

Share:

6 thoughts on “حلم من زمن الكساد

  1. nawaf |

    بصراحة تجربة جدا رائعة, وهذا نموذج لشخص البسيط الي عايش حياته ومريح راسه.

  2. نوفه |

    رائع جدًا
    العرض جميل ولكن كأن هانك وشوشة في الصوت
    أو عدم وضوح كامل
    شكرًا لك

  3. ابو خليل |

    السلام عليكم …
    تحقيق مميز ورائع اتمنى لك التوفيق …
    سر الى الامام دائما ولا تنظر الى الخلف فستجد المثبطات والمهبطات

  4. مصلح جميل |

    أشرف/ حياك الله.. بالفعل لدينا كثير من القصص الجديرة بذلك، والفكرة واردة :). شكرا لك

    نواف/ الله يستر عليه، بالفعل أنسان بسيط جدا وحبوب ومحبوب..وبكل اسف مجتمعنا لا يسمح لنا بأن نعيش بهذا الشكل.. 🙂 شكرا لك

    نوفه/ ملاحظتك ذكرها لي احد الاصدقاء ايضا، وهذا يبدو لي انه بسبب تحويل الفديو وضغطه.. اولا هو معمول عن طريق برنامج لا يصنع ملفات فيديو بهذا الشكل ولكن الحاجة لتحميله على اليوتويوب استعدت ان يمر بعدةمراحل..ايضا فكرة الصوت المحيطي او البيئي المزعج في احيان هو ضمن فكرة العمل حتى انقل بيئة المكان المزعجة نوعا ما “راديو، ادوات حلاقة، سيارات، اصوات في المحل..” ولا انكر انني بالغت في تحرير الصوت لتدريم القصة.. شكرا كثيرا على ملاحظتك وتعليقك.

    أبوخليل/ حياك الله حبيب البي.. وما نتحرمش. 🙂

Leave a Reply

Your email address will not be published.Please enter all required information below!